تعتبر الكفاءات العلمية لأي دولة كنوز وثروات يستمر عطائها عقود وأجيال متعددة , وكشرط أساسي لأي نهضة تنموية لأي بلد لا بد من توافر كفاءات علمية متخصصة في شتى الفروع العلمية ومواكبة لكل ما هو جديد على مستوى العالم.
ولظروف متعددة اضطرت الكفاءات العلمية إلى الهجرة خارج أوطانها لتستفيد منهم دول أخرى رحبت بهم وفتحت الأبواب نحوهم وشكلوا عوامل نهضة مهمة لهذه الدول وسجلوا سباقات علمية هامة على الصعيد العالمي فعلى سبيل المثال نرى أن أكثر من ثلث الحاصلين على جوائز نوبل في الولايات المتحدة هم من الكفاءات المهاجرة إليها لهذا ظلت وما تزال الولايات المتحدة وحذت حذوها دول الإتحاد الأوروبي إلى الإستفادة القصوى من الكفاءات المهاجرة بتذليل الصعوبات وتسهيل إجراءات كثيرة لهجرة الكفاءات العلمية.
سوف نقوم في هذه الورقة التطرق والتعمق في أسباب هجرة الكفاءات العلمية والضرر والخسارة على الوطن جراء ذلك وكيفية الإستفادة من الكفاءات العلمية المهاجرة .
أولاً : جوانب الضرر الوطني بسبب هجرة الكفاءات العلمية :
معظم الكفاءات العلمية اليمنية المهاجرة في الخارج هي من فئة الطلبة الذين اُبتعثوا على نفقة الدولة وبعد انتهاء فترة الدراسة فضلوا البقاء في الدول التي درسوا فيها مما سبب بإهدار المال العام حيث أنفقت مبالغ كبيرة في تمويل دراستهم ومعيشتهم في الخارج.
تضطر الدولة إلى استيراد كفاءات علمية أجنبية لتغطية العجز الإحتياجي مقابل أجور ورسوم ضخمة تدفع بالعملة الصعبة.
تشوه صورة الدولة على المستوى الخارجي حيث أن امتلاك الدولة لكفاءات علمية يعتبر مفخرة لها والعكس عند إنعدام أو نقصان الكفاءات العلمية لا يرمز إلى دولة تخطو نحو التقدم والإزدهار.
فعلى سبيل المثال عمل وزارة الصحة على صرف العملات الصعبة لجلب ممرضات للعمل في المستشفيات الحكومية يرمز إلى ضعف التعليم الصحي في البلد حتى لإنتاج عمالة عادية ليست متخصصة رفيعة كفاءة الممرضات.
يؤدي هجرة الكفاءات العملية الوطنية إلى ضعف في الولاء والشعور الوطني وذلك مع تراكم السنين وضعف ا لتواصل مع الوطن الأم بسبب الهجرة.
ثانيا: أسباب هجرة الكفاءات العلمية :
ليست الكفاءات العلمية اليمنية بمنأى عن مثيلاتها من دول العالم النامية فلأسباب معظمها اقتصادية ومعيشية اختارت الكفاءات العلمية اليمنية المهاجرة إلى الخارج والبحث عن استقرار هناك وذلك لأسباب عديدة منها : -
الوضع الاقتصادي المتدني لهذه الكفاءات مما يجعلها في التفكير بتحسين حالتها المعيشية وتكون الهجرة إلى الخارج خيار مغري.
التسهيلات التي تقدمها الدول ذات العلاقة الكفاءات العلمية وذلك للإحتياجات الناتجة في النمو والتقدم الاقتصادي.
غياب الظروف والبيئة المناسبة للإستقرار والعمل في الوطن الأم وذلك إما بصعوبة الحصول على الدرجات الوظيفية أو انعدام المعدات والمستلزمات الضرورية لممارسة عملها خاصة في التخصصات الدقيقة في الطب والهندسة.
تحقيق طموحات ورغبات عملية بسبب ما يتوافر في الخارج من معامل ومختبرات علمية تشجع وتساعد في الإبداع والتألق في العمل.
ثالثا: مقترحات لكيفية استفادة الوطن من كفاءاته المهاجرة : -
لا شك بأن عودة الكفاءات العلمية المهاجرة إلى اليمن سيكون عامل مهم في التنمية والتسريع بعجلة التنمية والإزدهار.
ولأن أبناء الوطن هم الأكثر ولاءً وإخلاصاً وتفانياً في خدمة بلدهم فإن الفوائد الوطنية العائدة منهم ستكون عظيمة ومن هنا يتحتم على الجهات ذات العلاقة العمل على وقف هجرة الكفاءات العلمية وكذلك اجتذاب واستقطاب الكفاءات
التي قد هاجرت واستقرت في مواطن الإغتراب ويمكن تحقيق ذلك من إجراءات وحلول منها :
وقف التوظيف والتعاقد مع العمالات الأجنبية في حال توفر كفاءات وطنية وإلزام المؤسسات الحكومية والخاصة بتنفيذ ذلك.
رفع مستوى الدخل للكفاءات العلمية الوطنية إقتداء بدول الجوار لتتمكن هذه الكفاءات من التفرغ في خدمة الوطن بكل تفاني وإخلاص لأن تحسين الحالة المعيشية يعتبر مطلب وشرط أساسي في توطين الكفاءات العلمية وكما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه "لو كان الفقر رجلاً لقتلته".
منح العديد من التسهيلات الخدمية في شتى مناحي الحياة كسهولة الحصول على خدمات النقل والاتصالات والسفر الجوي.
أن تقوم الجهات ذات العلاقة في الدولة بتوفير البيئة الضرورية والمناخ المناسب للبحث العلمي من معامل ومختبرات وميزانيات علمية ولتستطيع الكفاءات العلمية من الإبداع في تخصصاتها.
أن تقوم الدولة على التشجيع وتمويل إقامة الندوات والمؤتمرات العلمية لتطوير مستوى الكفاءات الوطنية وجعلها متماشية مع آخر التطورات في تخصصاتها.
وأخيــراً :
يتضح جلياً حاجة كل بلد إلى الكفاءات العلمية المتخصصة لخدمة النمو والتقدم وضرورة أن تقوم الدولة بالاهتمام وتشجيع وإيجاد البيئة والظروف المناسبة لميلاد كفاءات علمية جديدة.
***ورقة علمية قدمت في ورشة مناقشة الكفاءات العلمية اليمنية في الخارج في المؤتمر العام الثالث للمغتربين اليمنيين المنعقد مؤخراً بصنعاء