يصادف السابع والعشرون من رجب من كل عام ذكرى غالية على قلب كل مسلم , ألا وهي ذكرى الاسرأ والمعراج.
هذه الرحلة المعجزة كانت تكريما ومكافاة لخير البرية صلى الله عليه وسلم.
أراد الله تعالى أن يخفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض مالاقاه من أهل الطائف ويثبث فؤاده خاصة أنه صلى الله عليه وسلم فقد أعز عزيزين من أهله .. عمه أبو طالب نصيره وستده .. وزوجته خديجة عونه وعضده .. فقد كان أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى مقام الوالد الشفيق .. يدافع عنه ويقول له ( والله لأسلمك لشىء تكرهه أبدا )
وكانت خديجة ريحانة فؤاده وموضع مشورته .. يطلعها على أسراره ويشكو لها مايهمه فيجد عندها مودة الصديق المخلص ورحمة المحب الصادق ومشورة الوزير الحكيم .
شاء الله تعالى أن يموت أبو طالب وخديجة فى وقتين متقاربين من عام واحد هو العام العاشر من نزول الوحى .. أى قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين .. وسمى هذا العام بعام الحزن ففقد رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقدهما العون الذى كان يخفف الأعباء ويفرج الكرب فزادت شجونه وآلامه وهمومه وأحزانه فأسرى برسول الله صلى الله عليه و سلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .
يقول تعالى فى سورة الإسراء : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الآية 1
يقول ابن كثير أنه صلى الله عليه و سلم أسرى به يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى فى قبلته تحية المسجد ركعتين ثم أتى بالمعراج .. و هو كالسلم ذو درج يرقى فيه فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السموات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين فى السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم فى السادسة وإبراهيم الخليل فى السابعة ثم جاوز منزلتيهما حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام .. أى أقلام القدر بما هو كائن و رأى سدرة المنتهى و غشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة وغشيتها الملائكة .. ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح و رأى رفرفا أخضر و قد سد الأفق ورأى البيت المعمور و إبراهيم الخليل بانى الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ورأى الجنة و النار ..
وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفا بعباده .. فخمس صلوات و خمسين فى الأجر .. و فى هذا أعتناء بشرف الصلاة و عظمتها
في صحيح البخاري جاء : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة ح و قال لي خليفة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد وهشام قالا حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال
قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر يعني رجلا بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فأتينا السماء الثانية قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على يوسف فسلمت عليه قال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الرابعة قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتينا على هارون فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا على السماء السادسة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبي فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران النيل والفرات ثم فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت علي خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك فسله فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسا فقال مثله قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا
وقال همام عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في البيت المعمور
ثم هبط إلى بيت المقدس و هبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ثم لما فرغ من الذى أريد به أجتمع به هو وإخوانة من النبيين ثم أظهر شرفه و فضله عليهم بتقديمه فى الإمامة ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة
لقد كان لهذه الرحلة أثرها العظيم فى نفس رسول الله صلى الله عليه و سلم و فى نفس أصحابه وفى مستقبل الأمة الإسلامية .. فرسول الله صلى الله علية وسلم قد أستيقن بتكريم الله له وأنه لن يتخلى عن نصره .. وأما أصحابه فقد كان هذا الحادث الخطير أمتحانا فاز فيه من أراد الله له السعادة فثبت على الحق وصدق بأخبار السماء و علم أن الله شديد القوى يفعل ما يشاء .. وأما الأمة الإسلامية فقد سعدت بفريضة السماء التى تنهى عن الفحشاء و المنكر و الصلة بين العبد وربه كما عرفت الأمة الإسلامية من أخبار ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رحلته وما أعده الله للطائعين من نعيم و ما أعده للعاصين من أنكال و جحيم .
عن جابر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بين الرجل و بين الكفر ترك الصلاة )
رواه أحمد و مسلم وابن ماجه والترمذى وابوداود.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال ( من حافظ عليها كانت له نورا و برهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان )
رواه أحمد وابن حبان والطبرانى .
رحلة عظيمة فى وقائعها ذكريات .. إسراء ليلا برسوله خاتم المرسلين .. فى شهر حرام هو رجب .. من بلد حرام هو مكة المكرمة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من مسجد حرام هو اول بيت وضع للناس وقبلة الصلاة للمسلمين وإليه تشد الرحال للحج كل عام إلى بيت المقدس أولى القبلتين وثانى الحرمين ومهد الرسالات .. وعروج إلى السماء مهبط الوحى ومستقر الملائكة الكرام وأرتقاء إلى سدرة النتهى حيث كانت المناجاة وفرض السلام .
صورة ماأروعها فى قلب ووجدان كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة .. ماأعظمها فى تاكيد اليقين والإيمان .
علينا أن نتذكر المسجد الأقصى الذى يئن من براثن قتلة الأنبياء .
هذا وبالله التوفيق .. وكل عام والأمة الإسلامية فى خير وفلاح وسعادة .